سورة الشمس - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشمس)


        


{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}
{والشمس وَضُحَاهَا} قال مجاهد: ضوؤها. قتادة: هو النهار كلّه. مقاتل: حرّها كقوله سبحانه في طه: {وَلاَ تضحى} [طه: 119] يعني ولا يؤذيك الحرّ.
{والقمر إِذَا تَلاَهَا} تبعها فأخذ من ضوئها وسار خلفها، وذلك في النصف الأوّل من الشهر إذا أغربت الشمس تلاها القمر طالعاً.
{والنهار إِذَا جَلاَّهَا} جلّى الشمس وكشفها بإضائتها، وقال الفراء وجماعة من العلماء: يعني والنهار إذا جلى الظلمة، فجازت الكناية عن الظلمة ولم تذكر في أوله؛ لأنّ معناها معروف وهو ألا ترى أنّك تقول: أصبحت باردة وأمست عرية وهبّت شمالاً فكنّي عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر؛ لأنّ معناهنّ معروف.
{والليل إِذَا يَغْشَاهَا} أي يخشى الشمس حتّى تغيب فتظلم الآفاق.
{والسمآء وَمَا بَنَاهَا} أي ومن خلقها، وهو الله سبحانه وتعالى، كقوله: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3]، {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، وقيل: هو ما المصدر أي وبنائها كقوله: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: 27]. {والأرض وَمَا طَحَاهَا} خلق ما فيها، عن عطية عن ابن عبّاس والوالبي عنه: قسمها. غيره بسطها. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} عدل خلقها {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} قال ابن عبّاس برواية الوالبي: يبيّن لها الخير والشرّ.
وقال العوفي عنه: علّمها الطاعة والمعصية. الكلبي: أعلمها ما يأتي وما ينبغي، وقال ابن زيد وابن الفضل: جعل فيها ذلك يعني بتوفيقه إيّاها للتقوى وخذلانه إيّاها للفجور.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا موسى قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن سنان قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا عزرة بن ثابت الأنصاري قال: حدّثنا يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدؤلي قال ب قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه؟ أشيء قضى عليهم ومضى عليهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون ممّا آتاهم به نبيّهم صلّى الله عليه وأكّدت عليهم الحجّة؟ قلت: كلّ شيء قد قضى عليهم. قال: فهل يكون ذلك ظلماً؟ قال: ففزعت منه فزعاً شديداً وقلت: إنّه ليس شيء إلاّ وهو خلقه وملك يده {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]. فقال لي: سدّدك الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه؟ أشيء قضى عليهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون ممّا آتاهم به نبيّهم صلى الله عليه وسلم وأكّدت به عليهم الحجّة؟
فقال: في شيء قد قضى عليهم. قال: فقلت فيتمّ العمل إذا قال من كان الله سبحانه خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها وتصديق ذلك في كتاب الله عزّوجلّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}.
{قَدْ أَفْلَحَ} سعِد وفاز، وهاهنا موضع القسم. {مَن زَكَّاهَا} أي أفلحت نفس زكّاها الله أي أصلحها وطهّرها من الذنوب ووفّقها للتقوى، وقد: {خَابَ} خسرت نفس {مَن دَسَّاهَا} دسسها الله فأهملها وخذلها ووضع منها وأخفى محلّها حين عمل بالفجور وركب المعاصي، والعرب تفعل هذا كثيراً فيبدّل في الحرف المشدّد بعض حروفه ياء أو واو كالنقضي والتظنّي وبابهما.
أخبرنا أبو بكر بن عيلوس قال: أخبرنا أبو الحسن المحفوظي قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} قال: أحدها أصلحها، وقال الآخر: طهّرها.
{وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} قال أحدهما: أغواها، وقال الآخر: أضلّها، وقال قتادة: دسّها آثمها وأفجرها، وقال ابن عبّاس: أبطلها وأهلكها، وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أبو محمد المزني قال: حدّثنا الحضرمي قال: حدّثنا عثمان قال: حدّثنا أبو الأحوص عن محمد بن السائب عن أبي صالح: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} قد أفلحت نفس زكّاها الله، وخابت نفس أفسدها الله عزّوجلّ.
وقال الحسن: معناه قد أفلح من زكّى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عزّوجلّ، وقد خاب من دسّاها قال: من أهلكها وأضلّها وحملها على معصية الله عزّوجلّ، فجعل الفعل للنفس.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا اليقطني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} وقف ثمّ قال: «اللّهمّ آتِ نفسي تقواها أنت وليّها ومولاها وزكّها أنت خير من زكّاها».


{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ} بطغيانها وعداوتها.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عبّاس قال: اسم العذاب الذي جاءهم الطغوى، فقال: كذّبت ثموت بعذابها.
وقرأه العامّة بفتح الطاء، وقرأ الحسن وحمّاد بن سلمة بطغواها بضمّ الطاء، وهي لغة كالفتوى والفتُوى والفتيا {إِذِ انبعث} قام {أَشْقَاهَا} وهو قدار بن سالف عاقر الناقة وكان رجلاً أشقر أزرق قصيراً ملتزق الخلق واسم أُمّه قديرة. أخبرنا محمد بن حمدون قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا عبد الرحمن قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقر الناقة وقال: «انتدب لها رجل ذو عزّ ومنعة في قومه كأبي زمعة» وذكر الحديث.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {نَاقَةَ الله} إغراء وتحذير، أي احذروا عقر ناقة الله، كقولك: الأسد الأسد.
{وَسُقْيَاهَا} شربها وسقيها من الماء، فلا تزاحموها فيه، كما قال الله سبحانه: {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
{فَكَذَّبُوهُ} يعني صالحاً عليه السلام، {فَعَقَرُوهَا} يعني الناقة {فَدَمْدَمَ} دمّر {عَلَيْهِمْ} وأهلكهم {رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} بتكذيبهم رسوله وعقرهم ناقته.
{فَسَوَّاهَا} فسوّى الدمدمة عليهم جميعاً، عمّهم بها، فلم يفلت منهم أحد. وقال المروج: الدمدمة: إهلاك باستئصال، وقال بعض أهل اللغة: الدمدمة: الإدامة. تقول العرب: ناقة مدمومة أي سمينة مملوءة، وقرأ عبد الله بن الزبير {فدهدم عليهم} بالهاء، وهما لغتان، كقولك امتقع لونه واهتقع إذا تغير.
{وَلاَ يَخَافُ} قرأ أهل الحجاز والشام فلا بالفاء وكذلك هو في مصاحفهم، الباقون بالواو، وهكذا في مصاحفهم {عُقْبَاهَا} عاقبتها.
واختلف العلماء في معنى ذلك، فقال الحسن: يعني ولا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال الضحّاك والسدي والكلبي: هو راجع إلى العاقر، وفي الكلام تقديم وتأخير معناه: إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها.